للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النقلة أنه لم يكمله إلا أربعة، وكيف يتصور الإحاطة بهذا، والصحابة متفرقون في البلاد، وهذا لا يتصور حتى يلقى الناقل كل رجل منهم فيخبره عن نفسه بأنه لم يكمل القرآن، وهذا بعيد تصوره عادة، وكيف وقد نقل الرواة إكمال بعض النساء لقراءته؟!

وقد اشتهر حديث عائشة رضي الله عنها، وقولها: كنت جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن (١). وكيف يظن بأبي بكر وعمر أنهما لم يحفظاه؟! على أن الذي رواه ليس بنص جلي، وذلك أن قصاراه أن أنسًا قال: جمع القرآن على عهده أربعة. فقد يكون المراد: لا أعلم سوى هؤلاء، ولا يلزمه أن يعلم كل الحافظين (٢).

وحديث أنس حاول بعض الملحدة به القدح في الثقة بنقل القرآن، ولا متروح لها في ذلك؛ لأنا لو سلمنا أن يكون الأمر كما ظنوه، وأنه لم يكمله سوى أربعة، فإنه قد حفظ جميع أجزائه (مئوين) (٣) لا يحصون، وما من شرط كونه متواترًا أن يحفظ الكلَّ الكلُّ؛ بل الشيء الكثير إذا روى جزءًا منه خلق كثير علم ضرورة، وجعل متواترًا، والجواب عن سؤال من سأل عن وجه الحديث من الإسلاميين، فإنه يقال له: علم ضرورة من تدين الصحابة ومبادرتهم إلى الطاعات والقرب التي هي أدنى منزلة من حفظ القرآن لا يعلم منه أنه محال -مع كثرتهم- أن لا يحفظ منه إلا أربعة، وأيضًا فيمن يعلم أن القرآن كان عندهم من البلاغة بحيث هو، وكان الكفار في الجاهلية يعجبون من بلاغته، ونحن نعلم من عادة


(١) سلف برقم (٢٦٦١)، ورواه مسلم (٢٧٧٠).
(٢) انتهى من "المعلم بفوائد مسلم" للمازري ٢/ ٣٤٥ - ٣٤٦.
(٣) كذا في الأصل، ولم نجد هذا الجمع في كتب اللغة وشرح الحديث، ولعل الصحيح: مئون. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>