واختلفوا في عثمان وتميم الداري وأبي الدرداء، وأما رواية أنس:(جمع). السالفة فلا بد من تأويلها، فإنه قد جمع تلاوته وأحصاه حفظًا أعلام الصحابة ممن لا يحصى كثرة.
فالجواب: أنه يريد من الأنصار خاصة دون قريش وغيرهم، أو يريد جمعه بجميع وجوهه ولغاته وحروفه وقراءاته التي أنزلها الرب تعالى، وأذن للأمة فيها، وخيرها في القراءة بما شاءت منها، أو يريد: اشتهر أو لم يشتهر بجمع متفرقه، وحفظ ما كان ينزل وقتًا دون وقت إلى انقضاء نزوله وكمال جمعه، أو يريد: الأخذ من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقيًا أو أخذًا دون واسطة، أو يريد أن هؤلاء ظهروا به وانتصبوا لتعليمه وتلقينه، أو يريد جمعه في صحف أو مصحف. ذكرها أجمع أبو عمرو الداني.
ويحتمل -كما قال ابن العربي- أنه لم يجمع ما نسخ منه وزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته إلا هؤلاء الأربعة، ويبعد أن يكون معنى: جمع القرآن: سمع له وأطاع وعمل بموجبه، يؤيد رواية أحمد في كتاب "الزهد" أن أبا الزاهرية أتى أبا الدرداء؛ فقال: إن ابني جمع القرآن؛ فقال: اللهم غفرًا، إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع.
وذكر المازري أنه يحتمل أن يراد أنه لم يذكره أحد عن نفسه سوى هؤلاء؛ لأن من أكمله سواهم كان يتوقع نزول القرآن ما دام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد لا يستجيز النطق بأنه أكمله، واستجازه هؤلاء، ومرادهم أنهم أكملوا الحاصل منه، أو يحتمل أن يكون من سواهم لم ينطق بإكماله خوفًا من الرياء واحتياطًا على الثبات، وهؤلاء الأربعة أظهروه لأمنهم على أنفسهم، أو لرأي اقتضاه ذلك عندهم، وكيف يعرف