ثم قال: حدثني مسدد، ثنا أبو عوانة، ثنا قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن الذىِ يقرأ القرآن كمثل الأترجة"(١).
فصل:
تمثيل رسول - صلى الله عليه وسلم - الإيمان بالطعم، والقرآن بالريح في قوله:"طعمها طيب وريحها طيب" لأن الإيمان ألزم للمؤمن من القرآن، إذ جريان الكفر عليه قليل نادر، كما أن الطعم ألزم للجوهر من الريح، وأخص به، إذ كثير من الجواهر يذهب ريحها وطعمها باق.
فصل:
هذا الحديث يقتضي قسمة رباعية؛ لأن الإنسان إما مؤمن وإما منافق، وكل منهما إما قارئ أو غيره، وكذا الجوهر إما أن يجتمع فيه الطعم أو الريح أو ينتفيا، أو يوجد أحدهما دون الآخر.
فصل:
قال بعضهم فيما حكاه المنذري: قراءة الفاجر والمنافق لا ترفع إلى الله، ولا تذكر عنده، وإنما يرفع إليه ويذكر عنده من الأعمال ما أريد به وجهه وكان عن نية وقربة، ألا ترى أنه شبه الفاجر القارئ بالريحانة من حيث أنه لم ينتفع ببركة القرآن، ولم يفز بحلاوة أجره، ولم يجاوز الطيب حلوقهم موضع الصوت، ولا بلغ إلى قلوبهم ذلك الطيب؛ لأن طعم قلوبهم مرٌّ بالنفاق المستتر فيها كما استتر طعم الريحانة في عودها مع ظهور رائحتها.
فائدة: الأترجة بضم الهمزة وتشديد الجيم، ويقال أترنجة، وفي
(١) قلت: سيأتي الحديث مكررًا برقم (٥٤٢٧) عن قتيبة، عن أبي عوانة، عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى الأشعري به.