قال الطبري: والتبتل الذي أراده عثمان بن مظعون هو ما عزم عليه من ترك النساء: والطيب وكل ما يلتذ به مما أحله الله لعباده من الطيبات مطلقًا، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} الآية [المائدة: ٨٧] الآية.
وروي هذا عن ابن عباس وجماعة.
وقول أبي زيد: التبتل: العزوبة. يريد نوعًا من أنواع التبتل.
رابعها:
إن قيل: من أين يلزم من جواز التبتل عن النساء: جواز الاختصاء، وهو قطع عضوين شريفين بهما قوام النسل، وربما أفضى بصاحبه إلى الهلاك، وهو محرم بالاتفاق؟ فالجواب: إن ذلك لازم من حيث أن مطلق التبتل يتضمنه، (وكأن قائل الحقيقي)(١) الذي يؤمن معه شهوة النساء: هو الخصاء، وكأنه أخذه بأكثر ما يدل عليه الاسم، والألم العظيم مغتفر في جنب صيانة الدين، فقد يغتفر الألم العظيم في جنب ما هو أعظم منه كقطع اليد للأكَلَةِ، وكالكي والبطِّ، وغير ذلك، ودعوى إفضائه إلى الهلاك غالبًا غير مسلم، بل وقوع الهلاك منه نادر، فلا يلتفت إليه، وخصاء البهائم يشهد لذلك، وما ذكرناه إنما هو تقدير ما وقع لسعد، ولا يظن أن ذلك يجوز لأحد اليوم، بل هو محرم بالإجماع، وكل ما ذكرناه إنما هو يمشي على الأخذ بظاهر قوله:(لاختصينا) ويحتمل أن يريد سعد: لمنعنا أنفسنا منع المختصي، والأول هو الظاهر.
(١) كذا في الأصل، وفي "المفهم" للقرطبي ٤/ ٨٩ (وكأن قائل ذلك وقع له أن التبتل الحقيقي). وهو الأليق بالسياق.