والدليل على أن المراد باستئمار البكر غير ذات الأب حديث أبي موسى - رضي الله عنه - السالف:"تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت". ففرق بتسميته إياها يتيمة بينها وبين من لها أب، فإذا كانت يتيمًا فيلزم الأب مؤامرتها، ولا يجوز نكاحه عليها بغير إذنها.
وقول الكوفيين: الأيم: التي لا زوج لها، وقد تكون كذا، جوابه أن العرب وإن كانت تسمي كل من لا زوج لها أيمًا فهو على الاتساع. وأصل اللغة: عدم الزوج بعد أن كان. لكن المراد بالأيم هنا: الثيب، والدليل على ذَلِكَ أنه قد روى جماعة عن مالك:"والثيب أحق بنفسها من وليها" مكان قوله: "والأيم أحق بنفسها، والبكر تستأمر" فذكر الأب بعد ذكره الأيم يدل على أنها الثيب، ولو كانت الأيم هنا البكر لبطل الولي في النكاح، ولكانت كل بكر لا زوج لها أحق بنفسها من وليها، وكان هذا التأويل ردًّا لقوله تعالى:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}[البقرة: ٢٣٢] يخاطب بذلك الأولياء.
واختلفوا في الثيب الصغيرة، فقال مالك وأبو حنيفة: يزوجها أبوها جبرًا كالبكر، وسواء أصيبت بنكاح أو زنًا، وهو أحد الوجهين عند الحنابلة.
وعن أبي حنيفة ومالك: إذا حملت من زنا كالبكر. وقال الشافعي: لا تزوج حَتَّى تبلغ فتزوج بإذنها، وسواء جومعت بنكاح أو زنًا. ووافقه أبو يوسف ومحمد إذا كان الوطء زنا، واعتلوا بأنها إذا خبرت الرجال كانت أعرف بخطبها من الولي، فوجب أن يكون الأمر لها.
واحتج الآخرون فقالوا: لما كانت محجورًا عليها في مالها حجر الصغير جاز أن تجبر على النكاح. وأيضًا فإنها قد ساوت البكر الصغيرة في أنه لا يصح إجبارها، فلا معنى لاستئمارها.