وأما حديث ابن عمر: ففيه خلاف هذا المعنى؛ وذلك أنه - عليه السلام - أمره بمراجعتها في تلك الحيضة التي طلقها فيها، ولم يذكر في الحديث أنه احتاج إلى صداق ولا ولي؛ من أجل أنه - عليه السلام - حين أمره بارتجاعها لم يذكر رضاها ولا رضي وليها؛ لأنه إنما يرد من لم تقطع عصمته منها، ولو احتيج إلى ذلك لم يكن ابن عمر المأمور بذلك وحده دون المرأة والولي، فكان هذا حكمًا في كل من راجع في العدة أنه لا يلزمه شيء من أحكام النكاح غير الإشهاد على المراجعة فقط -على خلاف فيه، أعنى: الإشهاد- وهذا إجماع من العلماء، وإنما لم يلزمه شيء من فروض النكاح؛ لأنه -المطلق للسنة- لم يدخل على نكاحه ما ينقضه، وإنما أحدث فيه ثلمة. فإذا راجعها في العدة فقد سدها.
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} يعني: في العدة {إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}[البقرة: ٢٢٨] يعني: الرجعة، فجعل لهم الرجعة دون استئذان النساء ودون اشتراط شيء من فروض النكاح.
ولم يختلف العلماء في السنة في المراجعة أن تكون بالإشهاد عليها؛ لأنه تعالى قال:{فَأَمْسِكُوهُنَّ}[الطلاق: ٢] دون ذكر الإشهاد فيها، ولم يذكره في النكاح ولا في الطلاق فقال في الرجعة ميم {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}[الطلاق: ٢] واختلفوا فيما يكون به مراجعًا: فقالت طائفة: إذا جامعها فقد راجعها، روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس، وهو قول الأوزاعي.
وقال مالك وإسحاق: إذا وطئها في العدة -وهو يريد الرجعة- وجهل أن يشهد فهي رجعة، وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطء حتى يشهد.