للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي "علل ابن أبي حاتم" من حديث عبد الله بن السائب بن خباب، عن أبيه، عن جده: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل قديدًا متكئًا. ثم قال عن أبيه: هذا حديث باطل (١).

إذا تقرر ذَلِكَ: فإنما فعل الشارع ذَلِكَ؛ تواضعًا لله وتذللًا له، وقد بين هذا الحديث السالف، وبينه أيوب في حديثه عن الزهري أنه - عليه السلام - أتاه ملك لم يأته قبل تلك المرة ولا بعدها فقال: إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدًا نبيًّا أو ملكًا نبيًّا. فنظر إلى جبريل كالمستشير فأومأ إليه أن (تواضع) (٢)، فقال: "بل عبدًا نبيًّا" فما أكل متكئًا (٣).

وقال مجاهد: لم يأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - متكئًا قط إلا مرة ففزع فجلس فقال: "اللهم إنى عبدك ورسولك". ومن أكل متكئًا فلم يأتِ حرامًا، وإنما يكره ذَلِكَ؛ لأنه خلاف التواضع الذي اختاره الله لأنبيائه، وصفوته من خلقه، وقد أجاز ابن سيرين والزهري الأكل متكئًا (٤).

وقال ابن التين: قيل: كره؛ لأنه فعل المكثرين. وقيل: لأنه فعل مكثر أكله فنصب الموائد ويكثر الألوان، كأنه - عليه السلام - قال: أنا لا أفعل ذَلِكَ، لكني آكل العُلقة وأجتزئ باليسير، فأقعد له مستوفرًا وأقوم عنه مستعجلًا. وصرح ابن حزم بكراهة الأكل متكئًا فقال: نكرهه متكئًا، ولا نكرهه منبطحًا على البطن، وليس شيء من ذَلِكَ حرامًا؛ لأنه لم يأتِ نهي عن شيء من ذلك، وما لم يتصل بنا تحريمه فهو حلال،


(١) "علل ابن أبي حاتم" ٢/ ١٨ - ١٩.
(٢) في الأصل: (تراجع)، والمثبت من مصادر التخريج.
(٣) ذكره ابن بطال في "شرحه" ٩/ ٤٧٤ ورواه النسائي في "الكبرى" ٤/ ١٧١، والبيهقي ٧/ ٤٩ من طريق الزبيدي عن الزهري به.
(٤) انظر: "شرح ابن بطال" ٩/ ٤٧٤ - ٤٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>