حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يشبع من خبز الشعير. فيحتمل أن يكون وإنما يأكل دون الشبع ويحتمل أن تكون عائشة علمت ما لم يعلمه أبو هريرة. وذكر عنها البخاري بعد هذا: ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - من خبز مأدوم ثلاثة أيام.
قال الطبري: إن قلت: ما وجه هذِه الأخبار -يعني: حديث عائشة هذا وشبهه وقد علم صحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرفع مما أفاء الله عليه من بني النضر وفدك قوته وقوت عياله سنة، ثم يجعل ما فضل من ذَلِكَ في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله، وأنه قسم بين أربعة أنفس زهاء ألف بعير من نصيبه مما أفاء الله عليه من أموال هوازن، وأنه ساق في حجة الوداع مائة بعير فنحرها وأطعمها المساكين، وأنه كان يأمر للأعرابي يسلم بقطيع من الغنم مع ما يكثر تعداده من عطاياه التي لا يذكر مثلها عمن تقدم قبله من ملوك الأمم السالفة، مع كونه بعين أرباب الأموال الجسام كالصديق والفاروق وعثمان وأمثالهم في كثرة الأموال، وبذلهم مهجهم وأولادهم، وخروج أحدهم من جميع ماله؛ تقربًا إلى الله تعالى، مع إشراك الأنصار في أموالهم من قدم عليهم من المهاجرين وبذلهم نفائسها في ذات الله، فكيف بإنفاقها على سيد الأمة وبه إليها الحاجة العظمى؟
ثم أجاب بصحة الأخبار كلها وأن ذَلِكَ كان حينًا بعد حين؛ من أجل أن من كان منهم ذا مال كانت تستغرق نوائب الحقوق ماله، ومواساة الضيفان، والوفود حَتَّى يقل كثيره ويذهب جميعه وكيف لا يكون كذلك، وقد روينا عن عمر - رضي الله عنه - أنه - عليه السلام - أمرنا بالصدقة فجاء الصديق بكل ماله، فكيف نستنكر من هذا فعله أن يمكن صاحبه ثم لا يجد السبيل إلى سد جوعته وإرفاقه بما يعينه؟!