وعلى هذِه الخليقة كانت خلائق أصحابه كالذي ذكر عن عثمان أنه جهز جيش العسرة من ماله حَتَّى لم يفقدوا حبلًا ولا قتبًا، وكالذي روي عن ابن عوف أنه - عليه السلام - حث على الصدقة فجاء بأربعة آلاف دينار صدقة، فمعلوم أن من كانت هذِه أخلاقه وأفعاله لا يخطئه أن يأتي عليه التارة من الزمان والحين من الأيام مملقًا لا شيء له إلا أن يثوب ماله فبان خطأ قول القائل: كيف يجوز أن يرهن الشارع درعه عند يهودي بوسق شعير وفي أصحابه أهل الغنى والسعة ما لا يجهل موضعه؟ أم كيف يجوز أن يوصف أنه كان يطوي الأيام ذوات العدد خميصًا وأصحابه يمتهنون أموالهم لمن هو دونه من أصحابه؟ فكيف له إذ كان معلومًا جوده وكرمه وإيثاره ضيفانه القادمين عليه لما عنده من الأقوات والأموال على نفسه واحتماله المشقة والمجاعة في ذات الله؟ ومن كان كذلك هو وأصحابه فغير مستنكر لهم حال ضيق يحتاجون معها إلى الاستسلاف وإلى طي الأيام على المجاعة والشدة وأكلهم ورق الحبلة.
فأما ما روي عنه أنه لم يشبع من خبز البُر ثلاثة أيام تباعًا حَتَّى قبض، فإن البر كان قليلاً عندهم، وكان الغالب عندهم الشعير والتمر، فغير نكير أن يؤثر قوت أهله وأن يؤثر قوت أهل بلده، ويكره أن يخص نفسه مما لا سبيل للمسلمين إليه من الغذاء وهذا هو الأشبه بأخلاقه.
وأما ما روي عنه أنه خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، فإن ذَلِكَ لم يكن لعوز ولا لضيق في غالب أحواله، وكيف يكون ذَلِكَ وقد كان الله تعالى أفاء عليه قبل وفاته بلاد العرب كلها، ونقل إليه الخراج من بعض بلاد العجم كأيلة والبحرين وهجر، ولكن كان بعضهم كما وصفت من إيثار حقوق الله، وبعضه كراهية منه الشبع وكثرة الأكل فإنه كان يكرهه ويؤدب أصحابه.