للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت (١): كراهة عمر فإنما كان منه؛ خوفًا عليه الإجحاف بماله؛ لكثرة شرائه له إذ كان قليلاً عندهم، وأراد أن يأخذ بحظه من ترك شهوات الدنيا وقمع نفسه، يدل عليه قوله: كفى. إلى آخره.

وأما أبو أمامة فقد أخبر بالعلة التي لها كره أن يكون أهل [البيت] (٢) لحميين، وهو تبذيرهم وتدميرهم. وأما ابن سيرين فإنما ترك شراءه؛ لأنه لزمه الدين وفلس من أجله فلم يكن عنده لها قضاء، والحق عليه ما فعل من التقصير في عيشه وترك التوسع في مطعمه؛ حَتَّى يؤدي ما عليه لغرمائه، وكان إذا وجده من غير الشراء لم يؤثر عليه غيره.

وأما قول يزيد بن أبي حبيب فمعناه -والله أعلم- نحو معنى فعل عمر في تركه ذَلِكَ؛ إشفاقًا أن يكون بأكله ممن يدخل في جملة من أذهب طيباته في حياته الدنيا. مع أن التأسي بالشارع أولى بنا من التأسي بغيره من الأنبياء، وكان لا يؤثر على اللحم شيئًا ما وجد إليه السبيل.

ثم ساق حديث جابر - رضي الله عنه - قال: ذبحت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عناقًا وأصلحتها، فلما وضعتها بين يديه، نظر إلى وقال: "كأنك قد علمت حبنا اللحم" (٣).

وبمثل ما قلناه كان السلف يعملون، روى الأعمش، عن أبي عباد، عن أبي عمرو الشيباني قال: رأى عبد الله مع رجل دراهم فقال: ما تصنع


(١) أي: الطبري.
(٢) ساقطة من الأصل، والسياق يقتضيها، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(٣) قطعة من حديث رواه أحمد ٣/ ٣٠٣ والدارمي ١/ ١٨٩ - ١٩٣ (٤٦) وصححه ابن حبان ٢/ ٢٦٤ - ٢٦٥ (٩٨٤) وقال الهيثمي في "المجمع" ٤/ ١٣٦ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا نبيح العنزي وهو ثقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>