واحتج المانع فقال: لا تلزم هذِه الحجة أن لو كان المستأنس إذا استوحش كالوحشي في الأصل؛ لوجوب أن يكون حكمه حكم الوحشي في وجوب الجزاء فيه إذا قتله المحرم، وفي أن لا يجوز في الضحايا والعقيقة، ويجب أن يصير ملكًا لمن أخذه ولا شيء على قاتله.
قال مالك: لو أن رجلاً رماها فقتلها غرمها ولم يحل له أكلها، ولو كانت بمنزلة الصيد حلت له فلما أجمعنا على أن جميع أحكامه التي كانت عليه قبل أن يتوحش لم تزل ولم تتغير وكانت كلها بخلاف الوحشي في الأصل كذلك الذكاة وأما الاحتجاج بحديث رافع فيجوز إذا ند ولم يقدر عليه أن يرميه ليحبسه ثم يلحقه فيذكيه وهذا معنى قوله:"فاصنعوا به هكذا"، أي: ارموه لتحبسوه ثم ذكره ولم يرد قتله كما يقتل الوحشي قاله ابن القصار (١). وما أبعده، كما سلف.
فصل:
قوله: ("أعجل أو أرني ما أنهر الدم") إلى آخره قال ابن بطال: كذا وقعت هذِه اللفظة في رواية الفربري بالألف والراء ثم نون ثم ياء "أرني" ولم أجد لها معنى يستقيم به الكلام وأظنها مصحفة. وقال الخطابي: هذا حرف طالما استثبت فيه الرواة وسألت عنه أهل العلم باللغة فلم أجد عند واحد منهم شيئًا يقطع بصحته وقد طلبت له مخرجًا فرأيته يتجه لوجوه:
أحدها: أن يكون مأخوذًا من قولهم: أران القوم فهم مرينون إذا هلكت مواشيهم فيكون معناه أهلكها ذبحًا، وأزهق نفسها بما ذكر هذا إذا رويته بكسر الراء على رواية أبي داود.