- عليه السلام - مر يوم خيبر بقدور فيها لحم حمر الناس فأمر بها فأكفئت، فكان من الحجة عليهم في ذلك أن قوله:(حمر الناس) يحتمل أن يكونوا نهبوها منهم، وأن يكون نسبت إليهم؛ لكونهم يركبونها، فيكون وقع النهي عنها، لأنها أهلية لا لغير ذلك.
وقد بين أنس في حديث أنه - عليه السلام - قال لهم:"اكفئوها لأنها رجس". فدل أن النهي وقع عنها؛ لأنها رجس لا لأنها نهبة، وروى سلمة بن الأكوع أنه - عليه السلام - قال لهم:"اكفئوا القدور واكسروها". قالوا: يا رسول الله، أو نغسلها؟ قال:"أو ذاك" فدل ذلك على أن النهي كان للنجاسة لا لأنها نهبة؛ ألا ترى لو أن رجلاً غصب شاة فذبحها وطبخ لحمها أن قدره التي طبخ فيها لا تنجس، وأن حكمها حكم ما طبخ فيه لحم غير مغصوب، فدل أمره بغسلها على نجاسة ما طبخ بها، وعلى الأمر بطرح ما كان فيها لنجاسته، وكذلك من غصب شاة فذبحها وطبخها أنه لا يؤمر بطرح لحمها في قول أحد، فلما انتفى أن يكون نهيه عن أكلها لمعنى من هذِه المعاني التي ادعاها الذين أباحوا لحمها ثبت أن نهيه كان عنها في أنفسها، فإن قلت: قد رويتم عن ابن عباس احتجاجه بقوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية [الأنعام: ١٤٥] قلت: النص أولى بالرجوع إليه وما قاله - عليه السلام - هو مستثنى من الآية، وعلى هذا ينبغي أن يحمل ما جاء عنه مجيئًا متواترًا في الشيء المقصود إليه بعينه مما قد أنزل الله في كتابه آية مطلقة على ذلك الجنس، فيكون ما جاء عنه مستثنى من تلك الآية غير مخالف لها؛ حتى لا يضاد القرآن السنة ولا السنة القرآن (١). قد قال غيره: وأما حديث أبي ثعلبة فلا يصح فيه لحوم الحمر إنما يصح فيه ما رواه مالك عن الزهري، أنه - عليه السلام -: نهى
(١) انتهى كلام الطحاوي في "شرح معاني الآثار" ٤/ ٢٠٦ - ٢١٠.