للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قوليه، وسياق القصة أوضحُ شاهد لمن تأمله لقول الجمهور، ولما استهجن أبو حامد الغزالي القول بأنها فُتحت صلحًا، حكى قول الشافعي أنها فُتحت عَنوة في "وسيطه"، وقال: هذا مذهبُه.
قال أصحاب الصلح: لو فتحت عَنوة، لقسمها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بين الغانمين كما قسم خيبر، وكما قسم سائر الغنائم من المنقولات، فكان يُخمسها ويقسمها، قالوا: ولما استأمن أبو سفيان لأهل مكة لما أسلم، فأمنهم، كان هذا عقد صلح معهم، قالوا: ولو فُتحت عَنوة، لملك الغانمون رباعها ودورها، وكانوا أحق بها من أهلها، وجاز إخراجهم منها، فحيث لم يحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها بهذا الحُكم، بل لم يرد على المهاجرين دورهم التي أخرجوا منها، وهي بأيدي الذين أخرجوهم، وأقرهم على بيع الدور وشرائها وإجارتها وسكناها، والانتفاع بها، وهذا مناف لأحكام فتوح العَنوة، وقد صرح بإضافة الدور إلى أهلها، فقال: "دخل دار أبي سُفيان، فهو آمن، ومن دخل داره، فهو آمن".
قال أرباب العَنوة: لو كان قد صالحهم لم يكن لأمانه المقيد بدخول كل واحد داره، وإغلاقه بابه، وإلقائه سلاحه فائدة، ولم يُقاتهلم خالد ابن الوليد حتى قتل منهم جماعة، ولم يُنكر عليه، ولما قتل مقيس ابن صُبابة وعبد الله بن خَطَل ومن ذُكر معهما، فإن عقد الصلح لو كان قد وقع، لاستثنى فيه هؤلاء قطعًا، ولنقل هذا وهذا، ولو فُتحت صُلحًا، لم يُقاتلهم، وقد قال: "فإن أحد ترخص بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم".
ومعلوم أن هذا الإذن المختص برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنما هو الإذن في القتال لا في الصلح، فإن الإذن في الصلح عام. وأيضًا فلو كان فتحها صلحًا، لم يقل: إن الله قد أحلها له ساعة من نهار، فإنها إذا فُتحت صُلحًا كانت باقية على حرمتها، ولم تخرج بالصلح عن الحرمة، وقد أخبر بأنها في تلك الساعة لم تكن حرامًا، وأنها بعد انقضاء ساعة الحرب عادت إلى حُرمتها الأولى.
وأيضًا فإنها لو فُتحت صلحًا لم يعبئ جيشه: خيالتَهم ورجالتهم مَيمنةً ومَيسرة، ومعهم السلاح، وقال لأبي هريرة: "اهتف لي بالأنصار"، فهتف بهم، فجاءوا، فأطافوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم"، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى: "احصدوهم حصدًا حتى توافوني على الصفا"، حتى قال =