للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واختلفوا في من ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام، فذهب أبو حنيفة والثوري والليث إلى أنه يجوز ذلك، واحتجوا بحديث البراء - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر"، وبقول جندب بن سفيان المرفوع: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَليُعِدْ". قالوا: فإذا حل للإمام الذبح بتمام الصلاة حل لغيره ولا معنى لانتظاره.

وقال مالك والأوزاعي والشافعي: لا يجوز لأحد قبل الإمام -أي: أو مقدار الصلاة والخطبة كما سلف- لحديث ابن جريج عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نحر فأمرهم أن يعيدوا. (١)

وقال الحسن في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: ١] إنها نزلت في قوم نحروا قبل أن ينحر النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢).

ودفع الطحاوي الحديث المذكور بأن قال: رواه حماد بن سلمة عن أبي الزبير، عن جابر أن رجلاً ذبح قبل أن يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يذبح أحد قبل الصلاة، ففي هذا الحديث أن النبي إنما قصد إلى الصلاة لا قبل ذبحه، ولا يجوز أن ينهاهم عن الذبح قبل أن يصلي وهو يريد إعلامهم إباحة الذبح لهم بعدما يصلي وإلا لم يكن لذكره الصلاة معنى، قالوا: ويشهد لهذا قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث البراء: "إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر" فأخبر أن النسك يوم النحر إنما هو الصلاة ثم الذبح بعدها، فدل ذلك على أن ما يحل به الذبح هو الصلاة لا نحر الإمام الذي يكون بعدها، وأنَّ حكم النحر قبل الصلاة خلاف حكمه بعدها.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) "تفسير الطبري" ١١/ ٣٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>