والأمر للوجوب، وحصل له الفلاح إن اجتنب ذلك، وذلك يفيد الوجوب أيضًا، وضد الفلاح الفساد، وكل شيء هو سبب لحصول العداوة والبغض بين الإخوان واجب اجتنابه وعكس ذلك ما يؤدي إلى الصلاح.
وقوله: ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة وكل شيء يكون سببًا للصد عن هذين ففرض اجتنابه وواجب تركه، ألا ترى إلى قوله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [هود: ١٨، ١٩] ثم قال تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}[المائدة: ٩١] وهو استفهام طريقه التوبيخ والردع والزجر، وهذِه اللفظة يقال إنها أبلغ لفظ للعرب في التكبر والمنع، وقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ}[الأعراف: ٣٣] والمراد بالإثم: الخمر، قال الشاعر:
شربت الإثم حتى زال عقلي … كذاك الإثم يذهب بالعقول
وعزي إلى امرئ القيس.
وقال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[البقرة: ٢١٩] فلما جعل الغلبة للإثم علم أن ذلك محرم
قال ابن عباس قوله:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}[البقرة: ٢١٩] الآية، ثم نزل {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}[النساء: ٤٣] فكانوا لا يفعلونها عند الصلاة، فإذا صلوا العشاء فعلوها فلا يصبحون حتى تذهب عنهم، فإذا صلوا الصبح فعلوها فما يأتي الظهر حتى تذهب عنهم، ثم إن ناسًا شربوها فقاتل بعضهم بعضًا، وتكلموا بما لا يرضى الله فأنزل الله تعالى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ}[المائدة: ٩٠] الآية. فحرم الخمر ونهى عنها وأمر باجتنابها كما أمر باجتناب الأوقات.