ويستحيل أن يخاطب الله ورسوله بما لا معنى له، وإن كان عالمًا بها وبموضعها ثم حرمها عقوبة إذا لم يتب قبل الموت وعلى هذا جاء الحديث، فإن كان كذا فقد لحقه حينئذ حزن وغم وهم لما حرم من شربها هو ويرى غيره شربها والجنة دار لا حزن فيها ولا غم، قال الله تعالى {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}[فاطر: ٣٤] وقال: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ}[الزخرف: ٧١] وقال: {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ}[الحجر: ٤٨] ولهذا والله أعلم قال بعض من تقدم: إن من شرب الخمر ولم يتب منها لم يدخل الجنة. وهو مذهب غير مرضٍ عندنا إذا كان على القطع في إبعاد الوعيد، ومحمله عندنا أنه لا يدخل الجنة إلا أن يغفر الله له إذا مات غير تائب منها، كسائر الكبائر.
وكذلك قولهم: لم يشربها في الآخرة، معناه عندنا إلا أن يغفر الله له فيدخل الجنة ويشربها، وهو عندنا في المشيئة؛ إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بذنبه، فإن عذبه بذنبه ثم أدخله الجنة برحمته لم يحرمها إن شاء الله، وإن غفر له فهو أحرى أن لا يحرمها.
وعلى هذا التأويل يكون معنى حرمها في الآخرة أي: جزاؤه وعقوبته أن يحرمها في الآخرة، ولله جل وعز أن يجازي عبده المذنب على ذنبه وأن يعفو عنه فهو أهله، قال تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]
وهذا الذي عليه عقد أهل السنة، أن الله تعالى يغفر لمن يشاء ما عدا الشرك ولا ينفذ الوعيد على أحد من أهل القبلة، وجائز أن يدخل الجنة إذا غمر الله له فلا يشرب فيها خمرًا ولا كرهًا ولا يراها ولا تشتهيها نفسه (١).