إن قلت ما وجه إدخال حديث أنس في الباب، وليس فيه إلا النهي عن الانتباذ؟ أجاب عنه المهلب قال: هو موافق للتبويب، وذلك أن الخمر من العسل لا يكون إلا منبذًا في الأواني بالماء الأيام حتى يصير خمرًا، فأنه - عليه السلام - إنما نهى عن الانتباذ في الظروف المذكورة؛ لسرعة كون ما ينبذ فيها خمرًا من كل ما ينبذ فيها.
فصل:
أوضح ابن التين أيضًا الرد على المخالف، فقال: فيه رد على من قال: إن الإشارة بالمسكر في قوله: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" إنما وقعت الشربة الأخيرة أو إلى الجر الذي يظهر السكر على شاربه عند شربه، وذلك أنه معلوم من طريق العادة أن الإسكار لا يختص بجزء من الشراب دون جزء، وإنما يؤخذ آخر السكر في آخر المشروب على سبيل التعاون كالشبع بالمأكول وكل أمر يؤدي إلى نقص المتعارف فهو منقوص وليس في المتعارف أن يكون فعل الجر من الشيء أكثر من فعله كله، هذا محال وليس يخلو الشراب الذي يسكر كثيره إذا كان في الإناء أن يكون حلالًا أو حرامًا، فإن كان حرامًا لم يجز أن يشرب منه قليل، فإن كان حلالًا لم يجز أن يحرم منه شيء.
فإن قلت: الشراب حلال في نفسه ونهى الله أن يشرب منه ما يزيل العقل، قيل: ينبغي أن تكون الشربة التي تزيله ويسكر معلومة يعرفها كل شارب، إذ غير جائز أن يحرم الله تعالى على خلقه شيئًا ويتعبد به ولا يحصل لهم السبيل إلى معرفة ما حرم الله.