ومن سببه أن يحترز من عدوه كما فعل الشارع يوم أحد من مظاهرته بين درعين وتغفره بالمغفر؛ ليتقي به سلاح المشركين، وإقعاده الرماة على فم الشعب؛ ليدفعوا من أراد إتيانه، وكصنيعه الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم مع كونه من (الثقة و)(١) التوكل والثقة بربه بمحل لا يبلغه أحد، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم مرة إلى الحبشة وأخرى إلى المدينة؛ خوفا على أنفسهم من مشركي مكة وهربًا بدينهم أن يثبتوهم عنه بتعذيبهم إياهم.
وقد أحسن الحسن البصري حين قال -للمخبر عن عامر بن عبد الله أنه نزل مع أصحابه في طريق الشام على ماء حال الأسد بينهم وبين الماء، فجاء عامر إلى الماء فأخذ منه حاجته، فقيل له: لقد خاطرت بنفسك! وقال: لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلى أن يعلم الله أني أخاف شيئا سواه-: قد خاف من كان خيرًا من عامر، موسى - عليه السلام - حين قيل له: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١)} [القصص: ٢٠، ٢١] وقال أيضًا: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}[القصص: ١٨] وقال حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨)} [طه: ٦٧، ٦٨] قالوا: فالمخبر عن نفسه بخلاف ما طبع الله عليه نفوس بني آدم كاذب، وقد طبعهم الله على الهرب مما يضرهم، وقد أمر الله عباده بالإنفاق من طيبات ما كسبوا.