للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال آخرون بتصحيح هذا الخبر وقالوا: أمره بالفرار منه واتقاء مؤاكلته ومشاربته، فغير جائز لمن علم أمره بذلك إلا الفرار من المجذوم، وغير جائز إدامة النظر إليهم؛ لنهيه عن ذلك. ذكر من قال ذلك: روى معمر عن الزهري أن عمر قال لمعيقيب: اجلس منى قِيدَ رمح، وكان به الداء، وكان بدريًّا. وروى أبو الزناد عن خارجة بن زيد: كان عمر إذا أتي بالطعام وعنده معيقيب قال له: كل مما يليك، وايم الله لو غيرك به ما بك ما جلس منى على أدنى من قِيدَ رمح.

وكان أبو قلابة يتقي المجذوم (١).

والصواب عندنا ما صح به الخبر عنه أنه قال: "لا عدوى"، وأنه لا يصيب نفسا إلا ما كتب عليها، فأما دنو عليل من صحيح فإنه غير موجب للصحيح علة وسقمًا، غير أنه لا ينبغي لذي صحة الدنو من صاحب الجذام والعاهة التي يكرهها الناس، لا أن ذلك حرام، ولكن حذرًا من أن يظن الصحيح إن نزل به ذلك الداء يوما إنما أصابه لدنوه منه فيوجب له ذلك الدخول فيما نهى عنه - صلى الله عليه وسلم - وأبطله من أمر الجاهلية في العدوى، وليس في أمره بالفرار من المجذوم خلاف لأكله معه؛ لأنه كان يأمر بالأمر على وجه الندب (٢) أحيانا، وعلى وجه الإباحة أخرى، ثم يترك فعله؛ ليعلم بذلك أن أمره به لم يكن على وجه الإلزام، وكان ينهى عن الشيء على وجه الكراهة والتنزيه أحيانا، وعلى وجه التأديب أخرى ثم يفعله؛ ليعلم به ذلك أن نهيه لم يكن على وجه التحريم (٣).


(١) "مصنف ابن أبي شيبة" ٥/ ١٤٢ (٣٤٥٣٥).
(٢) في (ص ٢) الإلزام.
(٣) انتهى من "تهذيب الآثار" مسند علي من ص ٢٦: ٣٤ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>