للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وثانيهما: أنه أراد أن يبين كتابًا فيه مهمات الأحكام ليحصل الاتفاق عَلَى المنصوص عليه، ثمَّ ظهر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه به (١).

الثالثة: لا شك في عصمته - صلى الله عليه وسلم - من تغيير شيء من الأحكام الشرعية في حال صحته ومرضه، وليس هو معصومًا من الأمراض العارضة للأجسام مما لا نقص فيه لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شريعته، وقد سحر ولم يصدر منه في هذِه الحالة حكم مخالف لما قرره من الأحكام.

إِذَا تقرر ذَلِكَ فقول عمر - رضي الله عنه -: أنه غلبه الوجع .. إلى آخره معناه: أنه خشي أن يكتب أمورًا قد يعجزوا عنها فيستحقوا العقوبة عليها؛ لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، وقصد التخفيف عليه حين غلبه الوجع، ولو كان المراد كتابة ما لا يستغنى عنه لما تركه لاختلافهم.

وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله: أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب استخلاف الصديق ثمَّ ترك ذَلِكَ اعتمادًا عَلَى ما علمه من تقدير الله تعالى (٢).

وذلك كما همَّ في أول مرضه حين قَالَ: "وارأساه" وترك الكتاب. وقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" (٣)، ثمَّ قدمه في الصلاة، ورأى عمر الاقتصار عَلَى ما سبق، لئلا ينسد باب الاجتهاد والاستنباط، وقد كان سبق منه قوله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) "أعلام الحديث" ١/ ٢١٧ - ٢١٨.
(٢) ذكر ذلك النووي في "صحيح مسلم بشرح النووي" ١١/ ٩٠ - ٩١.
(٣) سيأتي برقم (٥٦٦٦) في المرضى، باب: ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع.