وإلى الإباحة وغيرها من المعاني، فلعله ظهر من القرائن ما دل عَلَى أنه لم يوجب ذَلِكَ عليهم، بل جعله إلى اختيارهم، ولعله اعتقد أنه صدر ذَلِكَ منه - صلى الله عليه وسلم - من غير قصد جازم، فظهر ذَلِكَ لعمر دون غير (١).
الرابعة: معنى قول عمر - رضي الله عنه -: (وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللهِ حَسْبُنَا)، أي: كافينا في ذَلِكَ مع ما تقرر في الشريعة، قَالَ تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨] وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة: ٣].
وزعم الداودي أن معناه: أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر كلامًا لم يذكر في الحديث، فأما أن يكون حضهم عَلَى كتاب الله والأخذ بما فيه. فقال عمر: عندنا كتاب الله، تصديقًا لقوله.
وسيكون لنا عودة إن شاء الله إلى هذا الحديث في موضع من المواضع السالفة بيانها، فإن فيه زيادة في بعض الطرق نتكلم عليها، ومن تراجمه عليه في الاعتصام، باب: النهي عَلَى التحريم إلا ما تعرف إباحته.
الخامسة: في قوله: "ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبُ لَكُمْ" دلالة عَلَى أن للإمام أن يوصي عند موته بما يراه نظرًا للأمة، وفي تركه الكتاب إباحة الاجتهاد كما سلف؛ لأنه وكلهم إلى أنفسهم واجتهادهم.