ونقله ابن التين عن الشافعي أيضًا فأغرب؛ قال: ودليلنا قوله - عليه السلام -: "ليس منا من حلق" ولأن فيه جمالًا للوجوه وزينة، وفي حلقه مثلة.
قال الطبري: فإن قلتَ: ما وجه قوله: "أعفوا اللحى" وقد علمت أن الإعفاء الإكثار، وأن من الناس من إن ترك شعر لحيته اتباعًا منه لظاهر هذا الخبر تفاحش طولًا وعرضًا، وسمج حتى صار للناس حديثا ومثلًا.
قيل: قد ثبتت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خصوص هذا الخبر، وأن من اللحية ما هو محظور إعفاؤه، وواجبٌ قصُّهُ على اختلاف في السلف من قدر ذلك وحدِّه؛ فقال بعضهم: حد ذلك أن يزداد على قدر القبضة طولاً، وأن ينتشر عرضًا فيقبح ذلك، فإذا زادت على قدر القبضة كان الأولى جز ما زاد على ذلك من غير تحريم منهم ترك الزيادة على ذلك.
وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه رأى رجلاً قد ترك تحت لحيته حتى كثرت فاتخذ يجذبها ثم قال: ائتوني بحلمتين، ثم أمر رجلاً فجز ما تحت يده ثم قال: اذهب فأصلح شعرك أو أفسده، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من أسباع، وكان أبو هريرة يقبض على لحيته فيأخذ ما فضل، وعن ابن عمر مثله.
وقال آخرون: يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش أخذه، ولم يحدوا في ذلك حدًّا، غير أن معنى ذلك عندي: ما لم يخرج من عرف الناس، وهذا قدمناه، وروي عن الحسن أنه كان لا يرى بأسًا أن يأخذ من (طول)(١) لحيته وعرضها ما لم يفحش الأخذ منها، وكان إذا ذبح أضحيته يوم النحر أخذ منها شيئًا.