للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشرح:

تأول البخاري من هذِه الآيات التي ذكرها: ترك إثارة الشر على مسلم أو كافر، كما دل عليه حديث عائشة - رضي الله عنها -، ووجه ذَلِكَ -والله أعلم- أنه تأول في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: ٩٠] الندب إلى الإحسان إلى المسيء، أو ترك معاقبته على إساءته. فإن قلت: فكيف يصح هذا التأويل في آيات البغي التي ذكرها؟ قيل: وجه ذَلِكَ -والله أعلم- أنه لما أعلم الله عباده أن البغي ينصرف على الباغي بقوله: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: ٢٣] وضمن تعالى نصرة من بغي عليه بالنصرة، كان الأولى لمن بغي عليه شكر الله على ما ضمن من نصره، ومقابلة ذَلِكَ بالعفو عمن بغى عليه. وكذلك فعل الشارع باليهودي الذي سحره حين عفا عنه، وقد كان له الانتقام منه بقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] لكن آثر الصفح عنه، عملًا بقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: ٤٣] وكذلك أخبرت عائشة عنه: أنه كان لا ينتقم لنفسه ويعفو عمن ظلمه (١).

وفي تفسير الآية أقوال أُخر:

أحدها: أن العدل شهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان أداء الفرائض، قاله ابن عباس.

ثانيها: العدل: الفرض، والإحسان: النافلة.

ثالثها: العدل: استواء السريرة والعلانية، والإحسان: أن تكون السريرة أفضل من العلانية، قاله ابن عيينة. قال ابن مسعود: وهذِه


(١) سلف برقم (٣٥٦٠) كتاب: المناقب، باب: صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <  ج: ص:  >  >>