الهجران الجائز، وأن ذَلِكَ متنوع على قدر الإجرام، فمن كان جرمه كبيرًا فينبغي هجرانه واجتنابه وترك مكالمته كما في أمر كعب بن مالك وصاحبيه. وما كان [من](١) المغاضبة بين الأهل والإخوان فالهجران الجائز فيها هجران التحية والتسمية وبسط الوجه، كما فعلت عائشة في مغاضبتها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال الطبري: في حديث كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي والفسوق والبدع؛ ألا ترى أنه - عليه السلام - نهى عن كلامهم بتخلفهم عنه، ولم يكن ذَلِكَ كفرًا ولا ارتدادًا، وإنما كان معصية ركبوها فأمر بهجرهم، حتَّى تاب الله عليهم، ثم أذن في مراجعتهم. فكذلك الحق في كل من أحدث ذنبًا خالف به أمر الله ورسوله فيما لا شبهة فيه ولا تأويل، أو ركب معصية على علم أنها معصية لله، أن يهجر غضبًا لله ولرسوله ولا يكلم حتَّى يتوب وتعلم توبته علمًا ظاهرًا، كما قال في قصة الثلاثة الذين خلفوا.
فإن قلتَ: أفيحرج مكلم أهل المعاصي والبدع على كل وجه؟
قلتُ: أجبنا عنه فيما سلف بتفصيل.
فإن قلتَ: فإنك تبيح كلام أهل الشرك بالله ولا توجب على المسلمين هجرتهم، فكيف ألزمتنا هجرة أهل البدع والفسوق وهم بالله ورسوله مُقِرُّون؟
قيل: إن حظرنا ما حظرنا وإطلاقنا ما أطلقنا لم يكن إلا عن أمر من لا يسعنا خلاف أمره، وذلك نهيه - عليه السلام - عن كلام النفر المتخلفين عن تبوك وهم بوحدانية الله مقرون، وبنبوة نبيه معترفون. وأما المشركون فإنما