هجاء المشركين أهل الحرب وسبهم جائز بهذِه الأحاديث، وأنه لا حرمة لهم إذا سبوا المسلمين، والانتصار منهم بذمهم وذكر كفرهم، وقبيح أفعالهم من أفضل الأعمال عند الله؛ ألا ترى قوله لحسان:"اهجهم -أو هاجهم- وجبريل معك" وقوله: "اللهم أيده بروح القدس"؟ وكفى بذلك فضلاً وشرفًا للعمل والعامل به. فأما إذا لم يسب أهل الحرب المسلمين فلا وجه لسبهم؛ لأن الله تعالى قد أنزل على نبيه في قنوته على أهل الكفر: إن الله لم يبعثك لعَّانًا ولا سبابًا، وإنما بعثت رحمة، ولم يبعثك عذابًا، فترك سبهم، فإن قُلْت: فما دليلك أنه - عليه السلام - أمر حسانًا بهجاء المشركين لينتصر منهم لهجوهم المسلمين؟ قيل: قول عائشة - رضي الله عنها -: إنه كان ينافح عنه بقبضته كما سلف، ويبين ذَلِكَ قوله لأبي هريرة: نشدتك الله، هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"يا حسان، أحب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"؟ قال: نعم.
فبان أن هجاء المشركين إنما كان مجازاة لهم على قبيح قولهم.
روى ابن وهب عن جرير بن حازم قال: سمعت ابن سيرين يقول: هجا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ثلاثة رهط من المشركين وقد سلف ذكرهم، فقال المهاجرون: يا رسول الله، ألا تأمر عليًّا أن يهجو عنا هؤلاء القوم؟ فقال:"ليس علي هنالك". ثم قال:"إذا القوم نصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأيديهم وأسلحتهم، فبألسنتهم أحق أن ينصروه" فقالت الأنصار: أرادنا. فأتوا حسان بن ثابت، فذكروا له ذَلِكَ، فأقبل حَتَّى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، ما أحب أن لي بقولي ما بين صنعاء وبصرى. فقال - عليه السلام -: "أنت لها