للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإنما كان - عليه السلام - يدعو على المشركين على حسب ذنوبهم وإجرامهم، فكان يبالغ في الدعاء من اشتد أذاه على المسلمين؛ ألا ترى لما يئس من قومه وقال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر" الحديث. وقال مرة: "اللهم أعني عليهم" الحديث.

ودعا على أبي جهل بالهلاك، ودعا على الأحزاب بالهزيمة والزلزلة، فأجاب الله دعاءه فيهم، ودعا على الذين قتلوا القراء شهرًا في القنوت، ودعا على أهل الأحزاب أن يحرقهم الله في بيوتهم وقبورهم، فبالغ في الدعاء عليهم لشدة إجرامهم، (ونهى عائشة عن اليهود باللعنة) (١)، وأمرها بالرفق في (المقارضة) (٢) لهم، والرد عليهم مثل قولهم، ولم يبح لها الزيادة والتصريح، فيمكن أن يكون ذلك منه على وجه التألف لهم والطمع في إسلامهم.

وأما قوله في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - حين لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنافقين في الصلاة. فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨] فذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذِه الآية ناسخة للعنة المنافقين في الصلاة والدعاء عليهم، وأنه عوض من ذلك القنوت في الصبح، رواه ابن وهب وغيره.

وأكثر العلماء على أن الآية ليست ناسخة ولا منسوخة، وأن الدعاء على المشركين بالهلاك وغيره جائز، كدعاء الشارع في هذِه الآثار المتواترة الثابتة (٣).


(١) كذا بالأصول، وعند ابن بطال: نهى عائشة عن الرد على اليهود باللعنة، وعنه نقل المصنف.
(٢) في (ص ٢): المفاوضة.
(٣) "شرح ابن بطال" ١٠/ ١٢٦ - ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>