للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال غير الطبري: وقد اختلف العلماء في الذنوب، هل تجوز على الأنبياء - عليهم السلام -؟

فذهب الجمهور إلى أنه لا تجوز عليهم الكبائر؛ لوجوب عصمتهم، وتجوز عليهم الصغائر.

وذهبت المعتزلة إلى أنه لا تجوز عليهم الصغائر، كما لا تجوز عليهم الكبائر، وتأولوا قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فقالوا: إنما غفر له تعالى ما يقع (منه) (١) - عليه السلام - من سهو، وغفلة، واجتهاد، وفي فعل خير لا يوافق به حقيقة ما عند ربه، فهذا هو الذي غفر له. وسمي ذنبًا؛ لأن صفته صفة الذنب المنهي عنه إلا أن ذلك تَعْمُّدٌ، وهذا بغير قصد، وهذا تأويل بعيد من الصواب، وذلك أنه لو كان السهو والغفلة ذنوبًا للأنبياء يجب عليهم الاستغفار منها: لكانوا أسوأ حالاً من سائر الناس غيرهم؛ لأنه قد وردت السنة المجمع عليها أنه لا يؤاخذ العباد بالخطأ والنسيان، فلا يحتاجون إلى الاستغفار من ذلك، وما لم يوجب الاستغفار، فلا يسمى عند العرب ذنبًا، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو المخبر لنا بذلك عن ربه تعالى أولى بأن يدخل مع أمته في معنى ذلك، ولا يلزمه حكم السهو والخطأ، وإنما يقع استغفاره - عليه السلام - كفارة للصغائر الجائزة عليه، وهي التي سأل الله غفرانها له بقوله: "اغفر لي ما قدمت وما أخرت" وستأتي هذِه المسألة في حديث الشفاعة في باب قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} في كتاب (الاعتصام) (٢) إن شاء الله؛ لأن الحديث يقتضي ذلك.


(١) من (ص ٢).
(٢) ورد في هامش الأصل: إنما هو في كتاب التوحيد، وقد وقع له مثل ذلك غير مرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>