للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيها قول آخر: يحتمل -والله أعلم- أن يكون دعاؤه ليغفر الله له ذنبه على وجه ملازمة الخضوع لله، واستصحاب حال العبودية، والاعتراف بالتقصير؛ شكرًا لما أولاه ربه -عَزَّ وَجَلَّ- مما لا سبيل له إلى مكافأته بعمل، كما كان يصلي حتى ترم قدماه، فيقال له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول: "أفلا أكون عبدًا شكورًا" (١). فكان اجتهاده في الدعاء والاعتراف بالذلل والتقصير والإقرار بالافتقار إلى الله شكرًا لربه، كما كان اجتهاده حتى ترم قدماه شكرًا لربه، إذ الدعاء لله من أعظم العبادة له، وليسُن ذلك لأمته (فيستشعروا) (٢) الخوف والحذر، ولا يركنوا إلى الأمن، وإن كثرت أعمالهم وعبادتهم إلى الله تعالى، وأشار المحاسبي إلى هذا المعنى فقال: خوف الملائكة والأنبياء لله هو خوف إعظام؛ لأنهم آمنون في أنفسهم.

فائدة:

هل يجوز أن يدعى لسائر المسلمين بالمغفرة، منعه القرافي، وخالفه ابن عبد السلام.

قال القرافي في "قواعده": قول القائل: اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين دعاء بالمحال؛ لما ثبت في نصوص الشريعة من كتاب وسنة أن بعض المسلمين وهم أهل الكبائر يدخلون النار، ودخول النار ينافي الغفران، ويرد ما ذكره قول الله تعالى حكاية عن نوح - صلوات الله وسلامه عليه -: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}


(١) سلف برقم (١١٣٠)، أبواب التهجد، باب: قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - الليل حتى ترم قدماه. ولمسلم برقم (٢٨١٩)، كتاب: الجنة والنار، باب: إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة.
(٢) في الأصل: (فتستشعر)، والمثبت من (ص ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>