للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لابن آدمَ من حالة إلى حالة أرفع فيها في الاستعبار، والإعذار إليه، وقد أسلفنا قولاً: أن النذير: الشيب (١)، وله وجه، وذلك أنه يأتي في سن الاكتهال، وهو علامة لمفارقة سن الصِّبا الذي هو سن اللهو واللعب، وهو نذير أيضًا، ألا ترى قول إبراهيم - عليه السلام - حين رأى الشيب: يا رب ما هذا، فقال له: وقار، قال: رب زدني وقارًا؟ فبان رفق الله تعالى بعباده المؤمنين، وعظيم لطفه بهم، حتى أعذر عليهم ثلاث مرات، الأولى بنبيه، ثم بالأربعين، ثم بالستين لتتم حجته عليهم، وهذا أجل لإعذار الحكام إلى المحكوم عليهم مرة بعد أخرى.

فصل:

ذكر ابن بطال حديث عتبان الآتي في الباب بعده في هذا الباب، وحديث أبي هريرة الآتي فيه، ثم قال: فإن قيل: ما وجه حديث عتبان في هذا الباب؟ قيل: له وجه صحيح المعنى، وذلك أنه لما كان بلوغ الستين غاية الإعذار إلى ابن آدم، خشي البخاري أن يظن من لا يتسع فهمه أن من بلغ الستين وهو غير تائب أن ينفذ عليه الوعيد، فذكر قوله - عليه السلام -: "لن يوافي عبد يوم القيامة يقول: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله إلا حرم الله عليه النار" (٢). وسواء أتى بها بعد الستين، أو بعد المائة لو عمرها.

وقد ثبت بالكتاب والسنة: أن التوبة مقبولة مالم يغرغر ابن آدم (٣)، ويعاين قبض روحه، وكذلك قوله - عليه السلام - في حديث أبي هريرة: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه


(١) "تفسير الطبري" ١٠/ ٤١٩.
(٢) سيأتي برقم (٦٤٢٣).
(٣) رواه الترمذي (٣٥٣٧)، وابن ماجه (٤٢٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>