للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَشَدِيدٌ (٨)} [العاديات: ٨].

ومعنى الفتنة في كلام العرب: الاختبار والابتلاء، ومنه قوله تعالى: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: ٤٠] أي: اختبرناك. والفتنة: الإمالة عن القصد، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: ٧٣] أي: ليميلونك. والفتنة أيضًا: الإحراق من قوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: ١٣] أي: يحرقون، هذا قول ابن الأنباري.

والاختبار والابتلاء يجمع ذلك كله، وقد أخبر الله تعالى عن الأموال والأولاد أنها فتنة، وقال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: ١] وخرج لفظ الخطاب (بذلك) (١) على العموم: لأن الله تعالى فطر العباد على حب المال والولد، ألا ترى قوله - عليه السلام - في الواديين؟! فأخبر عن حرص العباد على الزيادة في المال، وأنه لا غاية له يقنع بها ويقتصر عليها، ثم أتبع ذلك بقوله: "ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" يعني: إذا مات وصار في قبره ملأ جوفه التراب وأغناه بذلك عن تراب غيره حتى يصير رميمًا.

وأشار - عليه السلام - بهذا المثل إلى ذم الحرص على الدنيا والشره على الازدياد منها؛ ولذلك آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا والقناعة بالكفاف؛ فرارًا من التعرض لما لا يعلم كيف النجاة من شر فتنته، واستعاذ - عليه السلام - من شر فتنة الغنى، وقد علم كل مؤمن أن الله قد أعاذه من شر كل فتنة، وإنما دعاؤه بذلك؛ تواضعًا لله، وتعليمًا لأمته، وحضًا لهم على إيثار الزهد في الدنيا.


(١) في الأصل: يدلل. والمثبت من (ص ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>