للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما أتي بأموال كسرى: ما فتح الله هذا على قوم إلا سفكوا دماءهم، وقطعوا أرحامهم. وقال: اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا، اللهم إنك منعت هذا رسولك؛ إكرامًا له وفتحته علي لتبتليني به، اللهم سلطني على هلكته في الحق واعصمني من فتنته.

فهذا كله يدل على فضل الكفاف لا فضل الفقر كما خيل لهم، بل الغنى والفقر بليتان كأن - عليه السلام - يستعيذ من فتنتهما، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} الآية. [الإسراء: ٢٩] وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} الآية. [الفرقان: ٦٧] وقال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} إلى قوله: {بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٥، ٦]، وقال: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} الآية [النساء: ٩] وقال - عليه السلام - لأبي لبابة وسعد ما سلف، وهذا من الغنى الذي لا يطغي، ولو كان كلما زاد كان أفضل لنهاه الشارع أن يوصي بشيء، ولقصرت أيدي الناس عن الصدقات، وعن الإنفاق في سبيل الله، وقال لعمرو بن العاصي: "هل لك أن أبعثك في جيش يسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك رغبة من المال؟ " فقال: ما للمال كانت هجرتي، إنما كانت لله ولرسوله. فقال: "نِعْمَ المال الصالح للرجل الصالح" (١). ولم يكن - عليه السلام - ليحض أحدًا على ما ينقص حظه عند الله.

فلا يجوز أن يقال: إن إحدى هاتين الخصلتين أفضل من الأخرى؛ لأنهما محنتان، وكأن قائل هذا يقول: إن ذهاب يد الإنسان أفضل عند


(١) رواه أحمد ٤/ ١٩٧، وصححه ابن حبان ٨/ ٦ (٣٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>