فيهما عن سائر الأفكار الحادثة عن تذكير الشيطان بما يسهيه حتى لا يدري كم صلى.
والثانية: أن يكون الخوف من النار الممئلة، والرغبة في الجنة، نصب عيني المصلي، فيكونا باعثين له على الصبر، والمداومة على العمل المبلغ إلى رحمة الله، والنجاة من النار برحمته.
فإن قلت: قوله: "لن يدخل أحدكم الجنة عمله" يعارض قوله: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)} [الزخرف: ٧٢].
قيل: لا تعارض؛ فإن دخولها هو برحمة الله لا بعمله، والله أخبر أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال، أي: كما هو مبين في الحديث.
ومعلوم أن درجات العباد فيها متباينة على قدر تباين أعمالهم.
فمعنى الآية في ارتفاع الدرجات وانخفاضها، والنعيم فيها، ومعنى الحديث في الدخول في الجنة والخلود فيها، فلا تعارض.
فإن قلت: فقد قال الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل: ٣٢] فأخبر أن دخولها بالأعمال أيضًا.
فالجواب أن قوله:{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} كلام مجمل وتقديره ادخلوا منازل الجنة وبيوتها بما كنتم تعملون، فالآية مفتقرة إلى بيان الحديث.
وللجمع بين الحديث وبين الآيات، وجه آخر، هو أن يكون الحديث مفسرًا للآيات، ويكون تقديرها: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)} [الزخرف: ٧٢] و: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩)} [الطور: ١٩]، و {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم؛ لأن فضله -عَزَّ وَجَلَّ- ورحمته لعباده في اقتسام