فقد خرج عن حديث النفس ويصير من أعمال القلب، فإن عقد النية على الفعل فحينئذٍ يأثم.
وبيان الفرق بين الهم والعزم: أنه لو حدث نفسه في الصلاة وهو فيها بقطعها لم تنقطع، فإذا عزم انقطعت.
وسئل سفيان بن سعيد: أيؤاخذ العبد بالهمة؟ قال: إذا عزم، والملكان يجدان ريح الحسنات والسيئات إذا عقد القلب.
وحديث الباب حديث شريف بين فيه الشارع مقدار فضل الله تعالى على عباده، كما أسلفناه، بأن جعل هموم العبد بالحسنة وإن لم يعملها حسنة، وجعل همومه بالسيئة إن لم يعملها حسنة، وإن عملها كتبت سيئة واحدة، وإن عمل الحسنة كتبت عشرًا، ولولا هذا التفضل العظيم، لم يدخل أحد الجنة؛ لأن السيئات من العباد أكثر من الحسنات، فلطف الله بعباده بأن ضاعف لهم الحسنات دون السيئات، وإنما جعل الهم بالحسنة حسنة؛ لأن الهم بالخير هو فعل القلب لعقد النية على ذلك.
فإن قلت: فكان ينبغي على ذلك أن تكتب لمن هم بالشر ولم يعمله سيئة؛ لأن الهم بالشر عمل من أعمال القلب للشر.
قيل: ليس كما توهمت، ومن كف عن أعمال الشر فقد فسخ اعتقاده للسيئة باعتقاد آخر نوى به الخير وعصى هواه المريد للشر، فذلك عمل القلب من أعمال الخير فجوزي على ذلك بحسنة، وهذا كقوله - عليه السلام -: "على كل مسلم صدقة" قالوا: فإن لم يفعل. قال:"فليمسك عن الشر فإنه صدقة".