للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحديث ابن عباس معناه مخصوص لمن هم بسيئة فتركها لوجه الله، (كما في "صحيح مسلم": "إنما تركها من جراي") (١)، وأما من تركها مكرهًا على تركها؛ بأن يحال بينه وبينها فلا تكتب له حسنة ولا يدخل في معنى الحديث.

قال المازَرِي: مذهب ابن الطيب أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه مأثوم في اعتقاده وعزمه، وقد يحمل ما وقع من هذِه الأحاديث وشبهها على أن ذلك فيمن لم يوطن نفسه على المعصية، وإنما مر ذلك على فكره من غير استقرار ويسمي هذا الهم، ويفرق بين الهم والعزم، ويكون معنى قوله في مسلم: "لم تكتب عليه" على هذا القسم الذي هو خاطر غير مستقر، وخالفه كثير من الفقهاء و (المحدثين) (٢) أخذًا بظاهر الأحاديث ويحتج للقاضي بقوله - عليه السلام -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما" الحديث، وفيه: "لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه" فقد جعله مأثومًا بالحرص على القتل، وهذا قد يتأولونه على خلاف هذا. فيقولون: قد قال: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما" (٣) فالإثم إنما يتعلق بالفعل والمقاتلة، وهو الذي وقع عليه اسم الحرص، ويتعلق بالكلام على الهم ما في قصة يوسف

وهو قوله: {وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: ٢٤] أما على طريقة الفقهاء فذلك مغفور لهم غير مؤاخذ به إذا كان شرعه كشرعنا في ذلك، وأما على طريقة القاضي فيحمل ذلك على الهم الذي ليس هو بتوطين النفس، ولو حمل على غيره لأمكن أن يقال: هي صغيرة.


(١) من (ص ٢).
(٢) في الأصل: (والنحويين).
(٣) سلف برقم (٣١)، كتاب: الإيمان، باب: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}.

<<  <  ج: ص:  >  >>