وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا نسمع أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة، وهو لا يعرفه، فيقول: مالك إليَّ وما بيني وبينك معرفة؟ فيقول: كنت تراني على الخطايا والمنكر ولا تنهاني (١).
فصل:
إياك أن تعترض على هذِه الأحاديث بقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:١٦٤] وبقوله: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ}[فاطر: ١٨] كما توهمه بعض السخفاء؛ لأن الله تعالى لم يبن أمور الدنيا على عقول العباد بل أوعد ووعد بمشيئته وإرادته، وأمر ونهى بحكمته، ولا يُسأل عما يفعل ونحن نُسأل، ولو كان كل ما لا تدركه العقول مردودًا، لكان أكثر الشرع مستحيلًا على موضوع عقولهم، فقد أوجب بخروج المني وهو طاهر عند جماعة الغسل، وبخروج الأحداث عينًا وريحًا، غسل الأعضاء الأربعة والتسليم متعين، فكذا القصاص بالحسنات والسيئات. وقد قال تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}[الأنبياء: ٤٧]، وقال:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}[العنكبوت: ١٣] وقال: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}[النحل: ٢٥]، وهذا يبين معنى قوله:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. أي: لا تحمل حاملة حمل أخرى إذا لم تتعد وإن تعدت حملت وأخذ منها بغير اختيارها. قال تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}[البقرة: ٤٨].
(١) ذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" ٣/ ١٦٤ (٣٥٠٦) وقال: ذكره رزين ولم أره.