للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من صلب إلى صلب في أعداد لا يحيط بها إلا محصيهم تعالى، وعلم ما قسمه من تلك الطينة (من طيب أو خبيث) (١)، وعلم ما يعمل كل واحد من الطاعة والمعصية؛ ليشاهد أعماله بنفسه، وكفى بنفسه شهيدًا عليه، ولتشهد عليه ملائكته، ومن عاينه من خلقه، فتنقطع حجته، وتحق عقوبته، وكذلك قال لأبي هريرة - رضي الله عنه - حين أراد أن يختصي خشية الزنا على نفسه: "قد جف القلم بما أنت لاق فاختصِ على ذَلِكَ أو ذر" فعرّفه أنه لا يعدو ما جرى به القلم من خير أو شر، فإنه لا بد عامله ومكتسبه، فنهاه عن الاختصاء بهذا القول، الذي ظاهره التخيير، ومعنى النهي والتكسب لمن أراد الهروب عن القدر، والتعريف له أنه إن فعل فإنه أيضًا من القدر المقدور عليه فيما جف به القلم عليه.

وقد سئل الحسن البصري عن القدر فقال: إن الله خلق الخلق للابتلاء، لم يطيعوه بإكراه منه، ولم يعصوه بغلبة، ولم (يهملهم من المملكة) (٢)، بل كان المالك لما ملكهم فيه، والقادر لما قدره عليهم، فإن يأتم العباد بطاعة الله لم يكن الله صادًا عنها، ولا مبطأً بل يزيدهم هدى إلى هداهم وتقوى إلى تقواهم، وإن يأتم العباد بمعصية الله، كان القادر على صرفهم، إن شاء فعل، وإن شاء (حال) (٣) بينهم وبينها فيكتسبونها، فمن بعد الإعذار والإنذار لله الحجة البالغة {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء: ٢٣] {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين} [النحل: ٩] (٤).


(١) في الأصل: لو حييت.
(٢) في الأصل (الملائكة) والمثبت من (ص ٢).
(٣) في الأصل: جعل، والمثبت من "شرح ابن بطال" وهو ما يقتضيه السياق.
(٤) انظر: "شرح ابن بطال" ١٠/ ٢٩٨ - ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>