وهذا يصحح ما قلنا: من أن علمه تعالى النافذ في خلقه بما هم عاملون، وكتابه الذي كتبه قبل خلقه أتاهم بأعمالهم لم يضطر أحدًا منهم إلى عمله. ذَلِكَ؛ لأن المضطر إلى الشيء لا شك أنه يكره عليه لا محبة له، بل هو له كاره ومنه هارب، والكافر يقاتل دون كفره أهل الإيمان، والفاسق يناصب دون فسوقه الأبرار، محاماة من هذا عن كفره الذي اختاره على الإيمان، وإيثارًا من هذا لفسقه على الطاعة، وكذلك المؤمن يبذل مهجته دون إيمانه، ويؤثر العناء والنصب دون ملاذه وشهواته؛ حبًا لما هو له مختار من طاعة ربه على معاصيه، وأنى يكون مضطرًا إلى ما يعمله من كانت هذِه صفته، فبان أن معنى قوله - عليه السلام -: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" هو أن كل فريقي السعادة والشقاوة مسهل له العمل الذي اختاره، مزين ذَلِكَ له (١)، محبب إليه كما قلنا.
فصل:
معنى يجود بنفسه هو في السياق، يقال: جاد بنفسه عند الموت يجود جودًا. وقوله:"فلتصبر ولتحتسب" ولم يقل: فلتصبرين؛ لأنها غائبة، والغائب لا يخاطب بما يخاطب به الحاضر. تقول: هند تقوم وتقعد، وأنت تقومين، وليقم زيد، ولتقعد زينب. وقال الداودي: إنما خاطب الرسول، ولو خاطب المأمور بالصبر، لقال: فاصبري واحتسبي.
فصل:
وقوله: ("لا عليكم ألا تفعلوا") قيل: هو على النهي، وقيل: على الإباحة للعزل، أي: لكم أن تعزلوا، وليس فعل ذَلِكَ موءودة؛ بدليل