للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت في كتاب الله أن ذَلِكَ كائن قبل الخلق؟ قال: نعم". وذكر الحديث (١).

قال المهلب وغيره وقوله: ("فحج آدم موسى") أتى عليه بالحجة.

قال الليث بن سعد: وإنما صحت الحجة في هذِه القصة لآدم على موسى؛ من أجل أن الله قد غفر لآدم، وتاب عليه، فلم يكن لموسى أن يعيره بما قد غفرها الله له، ولذلك قال له آدم: أنت موسى الذي آتاك الله التوارة، وفيها علم كل شيء، فوجدت فيها أن الله قد قدر علي المعصية، وقدر علي التوبة منها، وأسقط بذلك اللوم عني، أفتلومني أنت، والله لا يلومني؟! وبمثل هذا احتج ابن عمر على الذي قال له: إن عثمان فرَّ يوم أحد. فقال ابن عمر: ما على عثمان ذنب؛ لأن الله قد عفى عنه (٢) بقوله: {وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ} [آل عمران: ١٥٥]، وأما من عمل الخطايا، ولم تأته المغفرة، فإن العلماء مجمعون أنه لا يجوز له أن يحتج بمثل حجة آدم، فيقول: أتلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت، وقد قدر الله عليَّ ذَلِكَ، والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه، ولوم المسيء على إساءته، وتعديد ذنوبه عليه، فإن قلت: فإن القدرية احتجت بقول موسى: "أنت آدم خيبتنا وأخرجتنا من الجنة". فنسب التخييب والإخراج إليه. قالوا: هذا يدل أن العباد يخلقون أفعالهم طاعتها ومعصيتها، ولو كانت خلقًا منه لم يصح أن يأمرهم ولا ينهاهم.

قال: وكذلك احتجت الجهمية على صحة الجبر، يقول آدم: "أتلومني على أمر قدر عليَّ".


(١) رواه أبو داود (٤٧٠٢) عن أحمد بن صالح، عن ابن وهب، به.
(٢) سلف برقم (٣٦٩٩)، كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عثمان بن عفان.

<<  <  ج: ص:  >  >>