للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالجواب: أنه ليس في قول موسى دليل قاطع على اعتقاد القول بالقدر، وإن العبد خالق لأفعاله دون ربه كما زعمت القدرية؛ لأنه ليس في قوله: "أنت آدم" إلى آخره أكبر من إضافة التخييب والإخراج إليه، وإضافة ذَلِكَ إليه لا يقتضي كونه خالقًا لهما، إذ قد يصح في اللغة إضافة الفعل إلى من يقع منه على سبيل (المجاز) (١)، وإلى من يقع منه على سبيل الاكتساب.

وإذا احتملت إضافة التخييب والإخراج الوجهين جميعًا لم يقض بظاهره على أحد الاحتمالين دون الآخر إلا بدليل قاطع، وقد قام الدليل الواضح على استحالة اختراع المخلوق أفعاله دون إقدار الله له على ذَلِكَ بقوله تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦] وبقوله: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)} [الصافات: ٩٦]. وليس يجوز أن يريد تعالى بهذا: الحجارة؛ لأن الحجارة أجسام، والأجسام لا يجوز أن يعملها العباد، فدل أنه تعالى خالق أعمالهم، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ} [الشورى: ٢٩] واجتماعهم فعل لهم، وقد أخبر تعالى أنه خلق له، وقد ثبت أنه تعالى قادر على جميع أجناس الحركات التي يحدثها العباد، بدلالة أنه أقدرهم عليها، وما أقدرهم عليه فهو عليه أقدر، كما أنه ما أعلمهم (به) (٢)، فهو به أعلم، فثبت أنه تعالى خالق الأفعال، والعبد مكتسب لها، كما نقول: إنه تعالى منفرد بخلق الولد، والوالد منفرد بكون الولد ولدًا له، لا شركة فيه لغيره، فنسبة الأفعال إليه تعالى من جهة خلقه لها، ونسبتها إلى العباد من جهة اكتسابهم لها. هذا مذهب أهل


(١) في (ص ٢): الخلق.
(٢) في (ص ٢): إياه.

<<  <  ج: ص:  >  >>