للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السنة والحق، وهو مذهب موسى - عليه السلام - من قوله: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: ١٥٥] فأضاف موسى الهداية والإضلال إلى الله تعالى، ولا تصح هذِه الإضافة إلا على سبيل خلقه لها، دون من وجدت منهم.

وأما قول الجهمية: إن الله تعالى أجبر العباد على أفعالهم، وهم مكرهون على الطاعة والمعصية. واحتجوا بقول آدم: "أتلومني" إلى آخره، فلا حجة لهم فيه أيضًا؛ لأن الموجود بالاعتبار والمشاهدة خلاف قولهم، وذلك أن العباد لا يأتون الذنوب إلا مشتهين لها، راغبين فيها، والإجبار عند أهل اللغة هو اضطرار المرء إلى الفعل، وإدخاله فيه، غير راغب فيه، ولا محب له كالمسحوب على وجهه، والمرتعش من الحمى، والفالج. وأهل الجبر معتقدون لوم من وقعت منه معصية الله، وتأنيبه عليها أشد التأنيب، أو مدح من وقعت منه الطاعة، وإثابته عليها، وإذا كان هذا عندهم، فاحتجاجهم بتأنيب آدم موسى على لومه له على أمر قد قدره عليه، (وأكرهه عليه) (١)، فاسد متناقض على مذهبهم.

ومحاجة آدم موسى في أنه ذاكره ما قد عرفه، ووقف عليه في التوراة من توبة الله على آدم بما وقع، وإسقاطه اللوم عليها فوجب على موسى ترك لومه وعتابه على ما كان منه.

وقد سئل جعفر بن محمد الصادقُ، فقيل له: هل أجبر الله تعالى العباد؟ قال: الله تعالى أعدل من ذَلِكَ.

قيل: فهل فوض إليهم؟ قال: الله أعز من ذلك، لو أجبرهم على


(١) من (ص ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>