للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ذلك] ما عذبهم، ولو فوض إليهم ما كان للأمر والنهي معنى. قلت: فكيف أقول إذًا؟ قال: منزلة بين منزلتين، هي أبعد مما بين السماء والأرض، ولله في ذَلِكَ سر لا تعلمونه.

واحتجت أيضًا طائفة من القدرية المجبرة غير الجهمية بهذا الحديث، فقالت: إن كان صحيحًا قول آدم لموسى: "أتلومني على أمر؟ " فلا لوم على كافر في كفره، ولا فاسق في فسقه، ولا يجوز أن يجور عليهم، ويعذبهم على ما اضطرهم إليه.

فالجواب كما قال الطبري: إنه ليس معنى قوله: "أتلومني على أمر؟ " كما توهمته، وكيف يجوز أن يكون ذَلِكَ معناه، وقد عاقبه الله على ما وقع بإخراجه من الجنة، ولو لم يكن ملومًا، لكان وكنا في الجنة، كما أسكنه الله، ولكنه جل جلاله أخرجه منها بما وقع عقوبة عليها، ولم يعاقبه على ما قضى عليه؛ لأنه لو عاقبه عليه لما كان يسكنه الجنة حين أسكنه إياها، وذلك أن القضاء عليه بذلك قد كان يغني قبل أن يخلقه، فإنما استحق العقوبة على فعلته، لا على ما قضى عليه، وبمثل هذا أقر موسى لآدم بصحة حجته، ولم يقل له كما زعمت القدرية، ليس الأمر كما تزعم؛ لأن الله لو كان قضى عليك ذلك قبل أن يخلقك لم يعاقبك، ولكن لما كان من دين الله الذي أخذ بالإقرار به عهود أنبيائه ومواثيقهم، أنه لا شيء كان فيما مضى، ولا فيما يحدث إلا (قد مضى) (١) به قضاء، فإنه غير معاقبهم على قضائه، ولكن على طاعتهم ومعاصيهم، وكان ذَلِكَ معلومًا عند الأنبياء والرسل، أقر موسى لآدم بأن الذي احتج به عليه له حجة، وحقق صحة ذَلِكَ نبينا


(١) في (ص ٢): قضى.

<<  <  ج: ص:  >  >>