قال ابن حزم: ومن أراد أن يحنث فله أن يقدم الكفارة قبله، أي الكفارات لزمته من عتق، أو كسوة، أو إطعام، أو صيام، وهو قول مالك. وقال أبو حنيفة، وأبو سليمان: لا يجزئه ذلك إلا بعد الحنث. (وقال الشافعي: أما العتق، أو الكسوة والإطعام، فيجوز تقديمه قبله، وأما الصوم فلا يجزئ إلا بعده)(١)، وحجته: أنها من فرائض الأموال، وهي من حقوق الناس، وجائز تقديمها قبل آجالها، وأما الصوم فمن فرائض الأبدان لا يجوز تقديمه قبل وقته.
وهم موافقون لنا أن التعجيل متوقف على الرضا، دون حقوق الله الموقت بوقت، ثم حقوق الناس التأخير فيها جائز والإسقاط بخلاف الكفارات.
وتناقض المالكيون، فمنعوا تقديم الزكاة إلا قبل الحول بشهر، ونحوه، وتقديم زكاة الفطر إلا قبل الفطر بيومين، ولم يجيزوا تقديم كفارة الظهار أصلًا، ولا بساعة، قبل ما يوجبها، ولا كفارة القتل خطأ قبل ما يوجبه من موت المقتول، ولا بطرفة عين، ولا كفارة قتل الصيد في الحرم قبل قتله. وأجازوا إذن الورثة للموصي في أكثر من الثلث قبل أن يجب لهم المال بموته، فظهر التناقض في أقوالهم.
وتناقض الحنفيون أيضًا؛ فإنهم أجازوا تقديم الزكاة قبل الحول بثلاثة أعوام، وتقديم زكاة الزرع إثر زرعه في الأرض، وأجازوا تقديم جزاء الصيد قبل موته، وتقديم كفارة قتل الخطأ قبل موت المجروح، ولم يجيزوا للورثة الإذن في الوصية بأكثر من الثلث قبل