{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ}[الأحزاب: ٥] يعني في قصة التبني الذي قد كان لصق بقلوب العرب، وغلب عليهم من نسبة المتبنين إلى من تبناهم، لا إلى آبائهم، فعذرهم الله بغلبة العادة وقد آخذهم بما تعمدوه من ذلك. وأما غير ذلك بما ذكر من المعاني في هذا الباب، فإنما هي على التشبيه.
فأما قوله:"لا حرج" فيما قدمه من النسك، فإنما عذرهم بالجهالة لحدود ما أنزل الله في كتابه، وكان فرض الحج لم تتبين كيفيته عند العرب، حتى كان - عليه السلام - هو الذي يتولى بيانه عملًا بنفسه، فلم يوجب على المخطئ في التقديم والتأخير فدية لغلبة الجهالة. فإن قلت: في أحاديث الباب ما يدل على السقوط وما يدل على الإثبات لحديث: "ارجع فصل فإنك لم تصل" وحديث ابن مسعود "فيتحرى الصواب" وحديث ابن نيار في الأضحية.
قلت: أما الأول فإنه كان قد تقدم العلم بحدود الصلاة من الشارع، فلم يعذر الناقص منها، فأمره بالإعادة، ثم أوسعه لما حلف له أنه لا يعرف غير هذا ما أوسع أهل الجهالة من أنه لم يأمره بعد يمينه بالإعادة لما سلف قبلها.
وأما الثاني: فمختلف معناه؛ لأن المتروك من السنن نسيانًا لا يرجع إليه، بل يجبره بغيره من السنن، كما جبر الجلسة المتروكة بالسجدتين المستويتين. وأما ما ترك من الفرض فلابد من الإتيان به، وإرغام أنف الشيطان بالسجود الذي بتركه خلد في الجحيم، وذلك لتقدم المعرفة بهيئة الصلاة سننًا وفرائض.
وأما إعادة الأضحية، فعذر الشارع ابن نيار؛ بما توهمه جائزًا له من إكرام الضيف، وإطعام الجيران، فجوز عنه ما لا يجزئ عن أحد بعده،