للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأنه لا يقاس أصل على أصل، ولو جاز قياس أحدهما على الآخر لكان أحدهما فرعًا، وللزم أن يكون على الحالف بهذِه اليمين التي شبهت بالظهار كفارة الظهار، وليس لأحد أن يوجب كفارة إلا حيث أوجبها الله ورسوله.

قالوا: ومن الحجة في إسقاط الكفارة حديث الباب، وقد أجمعت الأمة أن الإشراك بالله، والعقوق، وقتل النفس لا كفارة فيها، وإنما كفارتها تركها والتوبة منها، فكذلك اليمين الغموس حكمها حكم ما ذكر معها في الحديث في سقوط الكفارة. قلت: لا يلزم الشافعي هذا بالجمع بين مختلف الأحكام جائز، ولا يلزع التساوي في الحكم، قال تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ} [النور: ٣٣].

والإيتاء واجب والكفارة لا تجب، وقال: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١]، والإيتاء واجب والأكل ليس بواجب.

ثم قالوا: والدليل على أن الحالف بها لا يسمى عاقدًا ليمينه قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩]، والعقد لغة عبارة عن الالتزام والتوثق، يقال: عقدت على نفسي أن أفعل، أي: التزمت، فمن قال: لقيت زيدًا. وما لقيه، فلم يلزم نفسه شيئًا، ولا ألزم غيره أمرًا يجب الامتناع منه والإقدام عليه، فلا يسمى عاقدًا، ومعنى الاستيثاق: هو أن يستوثق بالعقد حتى لا يواقع المحلوف عليه، وهذا معنى لا يحصل في اليمين الغموس؛ لأنها منحلة بوجود الحنث معها، فلا يسمى عقدًا إذ المنعقد ما أمكن حله إذا انعقد.

<<  <  ج: ص:  >  >>