قال أبو قلابة: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قومًا حرموا الطيب واللحم، منهم عثمان بن مظعون، وابن مسعود، وأرادوا أن يختصوا، فقام على المنبر فأوعد في ذلك وعيدًا شديدًا، ثم قال:"إني لم أبعث بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة، وإن أهل الكتاب إنما هلكوا بالتشديد، شددوا فشدد عليهم" ثم قال: "اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة وحجوا البيت، واستقيموا يستقم لكم"(١) وقد جعل مطرف بن الشخير، ويزيد بن مرة الجعفي مجاوزة القصد في العبادة وغيرها والتقصير عنه سيئة، فقالا: الحسنة بين السيئتين، والسيئتان. إحداهما: مجاوزة القصد، والثانية: التقصير عنه، والحسنة التي بينهما هي: القصد والعدل.
وقدم ابن التين على هذين الاحتمالين أنه قيل: إنه يريد في أمر الدنيا، وأما أمر الآخرة فكلما صعب كان أعظم ثوابًا، واستدل قائل هذا بقوله:(ما لم يكن إثمًا). وفي رواية:(ما لم يكن يأثم).
فصل:
وقولها:(وما انتقم لنفسه) قال الداودي: يعني: إذا أوذي بغير السبب الذي لا يخرج إلى الكفر، مثل الأذى في المال والجفاء في رفع الصوت فوق صوته، ونحو التظاهر الذي تظاهرت عليه عائشة وحفصة، ومثل جبذ الأعرابي له حتى أثرت حاشية البرد في عنقه أخذًا منه بقوله تعالى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)} [الشورى: ٤٣]، وأما إذا أوذي بسبب هو كفر وهو انتهاك حرمة الله
(١) رواه ابن سعد في "طبقاته" ٣/ ٣٩٥ مختصرًا، ورواه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" ٣/ ٥٠٠ (٦٥٧) متصلًا من حديث أبي هريرة.