للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك الحكم، ثم نسخ الله ذلك بقوله {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} إلى قوله {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} الآية [النساء: ١٥]. فكان هذا ناسخًا لما قبله ولم يفرق في ذلك بين المحصن ولا غيره، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها، ثم جعل الله لهن سبيلا فقال - عليه السلام -: "خذوا عني" الحديث (١).

ففرق حينئذ بين حد المحصن وغيره وهذا قول الطحاوي (٢)، ونزل بعد ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: ٥١] فلم يحكم بعد هذِه الآية بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إليه إلا بالقرآن، إلا أن العلماء اختلفوا في وجوب الحكم بين أهل الذمة على ما أسلفناه، فروي التخيير فيه عن ابن عباس وعطاء والشعبي والنخعي، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي، وجعلوا قوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢] محكمة غير منسوخة. وقال آخرون: إنه واجب، وجعلوا قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ} [المائدة: ٤٩] ناسخة للتخيير روي عن مجاهد وعكرمة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو الأظهر من قولى الشافعي، وتأول الأولون قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ} إن حكمت كما سلف واضحا، وما أسلفناه أن ذلك كان أول دخوله المدينة هو ما في كتاب ابن بطال (٣)، والذي في السير: أن ذلك كان في السنة الرابعة.


(١) رواه مسلم (١٦٩٠) من حديث عبادة بن الصامت.
(٢) "مختصر الطحاوي" ص ٢٦٢.
(٣) شرح ابن بطال" ٨/ ٤٧٥، وانظر"الاستذكار" ١٢/ ١٥، و"المغني" ١٢/ ٣٨١ - ٣٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>