فمعنى ذلك أن قتل الغيلة إنما هو من أجل المال، والمحارب والمغتال إنما يقتلان لطلب المال، لا لعداوة بينهما، فقتل العداوة والثائرة خاص، وقتل المغتال عام فضرره أعظم؛ لأنه من أهل الفساد في الأرض، وقد أباح الله تعالى قتل الذين يسعون في الأرض فسادًا سواء قتل أو لم يقتل، فإذا قتل فقد تناهى فساده، وسواء قتل مسلمًا أو كافرًا أو حرًّا أو عبدًا، وما قاله مالك قابله طائفة من أهل المدينة، وجعلوه من باب المحاربة وقطع السبيل كما قلنا.
قال ابن حزم: قالوا: الشعبي هو أحد رواة حديث علي، وهو يرى قتل المؤمن بالكافر، قلنا: لم يصح هذا عن الشعبي؛ لأنه لم يروه عنه إلا ابن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ، وداود بن يزيد الزعافري، وهو ساقط، ثم لو صح ذلك عنه لكان الواجب رفض رأيه وإطراح قوله، والأخذ بروايته، وأما احتجاج الحنفيين بمرسل ربيعة عن ابن البيلماني، وبمرسل ابن المنكدر، قلنا لهم: لا حجة في مرسل؛ فإن لجوا؛ قلنا: دونكم مرسل مثلهما، ثم ساق عن عمرو بن دينار، حدثني سعيد، أنه - عليه السلام - فرض على كل مسلم قتل رجلاً من أهل الكتاب أربعة آلاف درهم، وأن ينفى من أرضه إلى غيرها. وذكر أن عمر بن عبد العزيز قضى بذلك، وأما احتجاجهم بأنه كما يجب قطع يد المسلم إذا سرق مال ذمي فكذلك يجب قتله به، فغير جيد؛ لأن القود والقصاص للمسلم من الذمي لم يجعلها الله للكافر على المسلم، وليس كذلك القطع في السرقة ليس هو من حقوق المسروق منه المال، وليس له العفو عنه، وإنما هو حق لله تعالى أمر به، شاء المسروق منه أو أبى، فلا سبيل فيه للذمي على المسلم أصلاً، وكذلك القذف، وأما احتجاجهم إذا قتل ذمي ذميًّا ثم أسلم القاتل فالقود عليه باقٍ فقد أخطأ