فقالت طائفة: ولي المقتول بالخيار بين القصاص وأخذ الدية، وإن لم يرض القاتل، روي ذلك عن ابن المسيب والحسن وعطاء، ورواه أشهب عن مالك، وبه قال الليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
وقال آخرون: ليس له إذا كان عمدًا إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا أن يرضي القاتل. رواه ابن القاسم عن مالك وهو المشهور عنه، وبه قال الثوري والكوفيون، وفائدة الخلاف تظهر فيمن قال: عفوت مطلقًا ولم يذكر دية، فالمعروف أنه لا دية له. وقال ابن القاسم: يحلف أنه لم يرد العفو على غير دية.
حجة الأولين قوله تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}[البقرة: ١٧٨] أي: ترك له دية ورضي منه بالدية، {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: ١٧٨] أي: فعل صاحب الدم اتباع بالمعروف في المطالبة بالدية، وعلى القاتل إذ ذاك:{وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة: ١٧٨] معناه: أن من كان قبلنا لم يفرض عليهم غير النفس بالنفس كما ذكره البخاري عن ابن عباس، واحتجوا أيضًا بحديث الباب:"إما أن يودى وإما أن يقاد"، وهذا نص في أنه جعل أخذ الدية أو القود إلى أولياء الدم أيضًا، ومن طريق النظر: فإنما لزمته الدية بغير رضاه؛ لأن عليه فرضًا إحياء نفسه، قال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النساء: ٢٩].
(١) انظر في هذِه المسألة في: "مختصر اختلاف العلماء" ٥/ ١٦٩، و"الاستذكار" ٢٥/ ٢٩ - ٣٠.