قال الداودي: إن كان المحفوظ بالفاء فيحتمل أن يكون للمقتول وليان فيخاطبهما على التثنية، فقال: إما أن يقاد أو يقتلهما، وهذا غير صحيح كما نبه عليه ابن التين؛ لأنه لو كان للتثنية لكان يوديان أو يفاديان، وهذِه الرواية إن صحت فإنما هي بالفاء: إما أن يودى القتيل، وإما أن يفادى.
واحتج بها لمالك أن القاتل لا يجبر على الدية، والصحيح يقاد بغير ألف، يقال: أقدت القاتل بالقتيل، أي: قتلته به، وأقاده السلطان، ومعنى رواية عبيد الله: يؤخذ لهم بثأرهم، والمفاداة لا تكون إلا من اثنين غالبًا، وقد يرد خلافه، ويحتمل على غير جنس الدية لا يصح إلا برضاهما.
فصل:
قال المهلب: وقوله (١): "إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم
رسوله والمؤمنين ليدخلوا في دين الله أفواجًا" فكان ذلك ساعة من نهار، فلما دخلوا عادت حرمتها المعظمة على سائر الأرض من تضعيف إثم منتهك الذنوب فيها، وزالت حرمتها الغير مشروعة من الله ولا من رسوله من ترك من لجأ إليها ودخلها مستأمنًا فارًّا بدم أو بخربةٍ، وجعل القصاص في قتيل الحرم لقوله - عليه السلام -: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين" قاله في قتيل خزاعة المقتول في الحرم، علمنا أنه يجوز القصاص في الحرم، ولو لم يجز ذلك لبينه الشارع.
وبين أن الحرمة الباقية بمكة على ما كانت في الجاهلية هو تعظيم الدم فيها عند الله على سائر الأرض؛ الحديث الآتي بعد