قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف (١).
قال ابن حزم: وإن كان قد احتجوا بهذا فلقد خالفوه في ثلاثة مواضع؛ لأن قول المقتول لم يتبين بشاهدين، وهم لا يرون القسامة بمثل هذا، وأن أبا طالب بدأ بالمدعى عليهم بالأيمان، وهم لا يقولون بهذا، وأن أبا طالب أقر أن ذلك الذي قتل الهاشمي خطأ، ثم قال له: إن أبيت قتلناك به. وهم لا يرون القود في قتيل الخطأ، فمن العجب احتجاجهم بخبر هم أول مخالف له.
وأما نحن، فلا ننكر أن تكون القسامة كانت في الجاهلية في القتيل توجد فأقرها الشارع على ذلك، وهو حق عندنا؛ لصحة الخبر، ومن غامض انتزاعهم، ولا حجة لهم فيه أيضًا؛ لأنه حكم كان في بني إسرائيل، ولا يلزمنا ما كان فيهم إلا أن يلزمناه - عليه أفضل الصلاة والسلام -، وهو قوله -تبارك وتعالى-: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا}[البقرة: ٧٢] ثم ذكر ما أسلفناه عن ابن جبير، عن ابن عباس من قصة البقرة، وأنهم ضربوا قبر الميت ببعضها فقام وقال: قتلني ابن أخي.
فإن احتجوا بحديث رض اليهودي رأس الجارية، فليس صحيحًا؛ لأنهم لا يرون القسامة بدعوى من لم يبلغ. والأظهر في هذِه الجارية أنها لم تبلغ؛ لأن في الحديث أنها جارية ذات أوضاح، وهذِه الصفة عند العرب -الذين بلغتهم يتكلم أنس بن مالك- يوقعونها على الصبية
(١) سلف برقم (٣٨٤٥) كتاب مناقب الأنصار، باب: القسامة في الجاهلية. وانظر: "المحلى" ١١/ ٧٨ - ٧٩.